تعليق على تعليقات على مقالي : حروب العصابات السياسية عبدالله بن محمد / شؤون استراتيجية



تعليق على تعليقات على مقالي 

 حروب العصابات السياسية


عبدالله بن محمد / شؤون استراتيجية


-------------


أشكر كل من شارك في تقييم ونقد ما طرحته في حروب العصابات السياسية وبودي هنا أن أوضح بعض ما لم تتسع المقالة لإيضاحه 


الحقيقة أن فكرة حروب العصابات السياسية جاءت لمعالجة نفس الزاوية التي دعت الشيخ بن لادن للاتجاه نحو قتال رأس النظام الدولي بدلا من دوامة قتال الأنظمة الحاكمة التي استمرت طوال السبعينات والثمانينات والتسعينات في سوريا والجزائر ومصر ولم تقود لشيء لأن الجماعات حينها كانت تؤمن بوجوب قتال العدو الأقرب ولم يحصل لها إدراك بطبيعة النظام الدولي إلا بعد ذلك فجاءت استراتيجية بن لادن لإيجاد مناخ يتيح للمجاهدين توظيف قدراتهم بشكل يضاعف تأثيرها وبنفس الوقت يسحب من العدو فرصة القضاء علينا بحرب واحدة وهذا المناخ أعطى للمجاهدين نفس طويل وليس أمام دولة واحدة كما في السابق بل أمام تحالف عالمي لمدة عقد ونصف بحمد الله فالتطوير الذي حصل للفكر الاستراتيجي آنذاك هو من صنع القاعدة وليس شيء آخر وكذلك استراتيجية حروب العصابات السياسية جاءت لخلق مناخ يتيح للمجاهدين مضاعفة تأثيرهم السياسي وبنفس الوقت سحب فرص عزلهم وإزاحتهم عن المشهد كما حدث في اليمن ومالي مؤخرا 

والسؤال الذي واجه بن لادن وقتها من قبل الجماعات الجهادية هو ما الحاجة للتغيير وهو أمر لم تتضح أهميته وواقعيته إلا بعد سياسة إلغاء الملاذات الآمنة للجهاديين في بداية تسيد أمريكا للنظام العالمي أوائل التسعينات ونفس السؤال يطرح الآن ما الحاجة للتغيير ونحن ما زلنا كتيار جهادي في حرب مع الغرب والإجابة عن ذلك هي أن الواقع قد طرأ عليه تغيير يوجب التكيف معه كشرط للاستمرار والتأثير وأي اصطدام معه سيقود لتفتيت ذاتي للحركة الجهادية مع الوقت فتراجع مركز أمريكا عالميا واشتعال الثورات بالمنطقة أسس لفوضى دفعت المجاهدين في اليمن ومالي لإعلان السيطرة على أبين وأزواد وممارسة الحكم فيها ثم سرعان ما انسحبوا بعد إدراكهم خطأ الصعود للسطح بدون غطاء شعبي سياسي وما حدث بتلك الفترة هو نوع من تبادل المقاعد بين الغرب والقاعدة فجيوش الغرب كانت ثابتة على الأرض والقاعدة تشن عليها عمليات كَر وفر وبعد بداية انسحاب أمريكا عسكريا وصعود القاعدة للسطح أصبحت قوات القاعدة ثابتة على الأرض بمقار ومراكز حكم معلنة وأمريكا تشن عليها غارات خاطفة بالطائرات بدون طيار والقوات الخاصة فانتقل الاستنزاف من أمريكا إلى القاعدة وكذلك في أي بلد يتهيأ فيه نفس الظرف السياسي ففاتورة قتال القاعدة لم تعد مكلفة كما كانت بل مجرد أسراب طائرات بدون طيار مع مجهود استخباري وطول نفس وهذه الخلطة ضعيفة التأثير في المناطق التي لا تظهر فيها القاعدة بالعلن مثل وزيرستان وقوية التأثير في المناطق التي تظهر فيها كما حدث باليمن وما يمكن أن يحدث في الشام إن انعزل أهل الجهاد بمشروع حكم مستقل عن الثورة التي تعتبر الغطاء الشعبي الحامي للساحة الجهادية. 


والقصد ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة لا تمانع بظهور الجهاديين للعلن بل تنتظره ان كان بشكل مستقل عن محيطهم لأنه أنجح في اجتثاثهم وبتكاليف أقل وهذا يعود لتعمقهم في فهم ودراسة العقلية الجهادية فهم يدركون أن هدف الجهاديين المرحلي هو إقامة حكم إسلامي إذن فليأمنوا حتى ذاك ثم تبدأ حملة قصف نوعي مبرمج بأهداف محدودة ووقت طويل بحيث يقصف أسبوعيا مركز ومدرسة ومخزن وهكذا بوتيرة ثابتة يعقبها زحف بري من القوى المحلية الحليفة ليدرك الخصم أن أي نجاح له على مستوى الحكم سوف يدمر عاجلا أو آجلا وهذه الطريقة تؤدي لضغط نفسي كبير فإما أن ينسحب الخصم كما فعلت القاعدة في اليمن أو يحاول الصمود ليستمر استنزافه كما يحدث الآن مع جماعة البغدادي في العراق . 

وبالعودة للمثال الذي طرحته في مقال حروب العصابات السياسية عن النموذج الليبي نرى أن مجاهدي شرق ليبيا لم ينخرطوا في أجهزة الدولة بعد الثورة فاستخدمت هذه الأجهزة في تشويه صورتهم وإدانتهم ومن ثم قتالهم بعد ان نجحت الثورة المضادة في تأليب الشارع عليهم وهذا بعكس مجاهدي غرب ليبيا الذين شاركوا بتأسيس أجهزة الدولة لكي لا تكون أداة لقمعهم وانتهاك أعراضهم كما كانت طوال العقود الثلاثة الماضية فالفائدة الاستراتيجية التي نأخذها من حروب العصابات السياسية هي أنها تمنحنا تأمين سياسي عند الظهور للسطح بحيث يدرك الغرب أن التدخل العسكري حينئذ يعني الدخول بمعركة مع الشعب الذي نحن جزء من حكومته وتمنحنا تأمين ذاتي من استخدام أجهزة الدولة ضدنا لأننا جزء منها . 


والله أعلم

Comments

Popular posts from this blog

بين دايتون وغروزني اينفتح الشام / كتبها : على بصرة

غارة #سرمدا: هذه هي معركة إدلب المنتظرة/ على بصيرة

دروس لبنانية في الحرب السورية / على بصيرة