قتل عاد وقتال الاستئصال بين الرغبات الدولية وشيخ الإسلام ابن تيمية - الشيخ الفاضل والوالد المربي أبو محمد المقدسي


قتل عاد وقتال الاستئصالبين الرغبات الدوليةوشيخ الإسلام ابن تيمية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد .. فلقد كتبت هذا المبحث من مدة لما رأيت الحاجة إليه بسبب بعض الوقائع في الساحة الشامية؛ وكنت كلما هممت بنشره تحصل نازلة من النوازل يتورط بها المعنيون بالموضوع بأن تنسب إليهم جريمة أو يخرجون إصدارا فيه بعض عمليات الذبح ، وصرعات القتل بطرق مبتكرة يرفع الناس أبصارهم إليها وينصدمون بها؛ مما جعلني أؤخر نشر مبحثي هذا لأكثر من مرة حتى لا يخرج في توقيت سيء ، أظهر فيه كالمحامي عن جرائم أومرتكبيها ..
ثم إني رأيت بعض فصائل الجيش الحر تتفاخر بغزو المعنيين تحت غطاء مدفعية الجيش التركي ،وأخرى ترشد طيران التحالف إلى مواقع خصومهم من المسلمين؛ وأخرى تعاتب أمريكا على عدم دعمها بالسلاح لاستئصالهم ! فعزمت في هذا الوقت على نشره متوكلا على الله متبرئا من جرائم الغلاة، ومن تمييعات الجفاة ؛ ومن تلبيسات علماء الطغاة .. سائلا الله الهدى والسداد..
ومعلوم أن خصوم التوحيد وعلماء السلاطين وأولياء نعمتهم كانوا ولازالوا يستعملون مصطلح الخوارج البغيض عند أهل الإسلام، في قمع أهل السنة وأنصار الحق ؛ فهي عادة قديمة لأهل البدع توارثوها عن بعضهم البعض.
حتى روى الخلال في السنة عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: ( بلغني أن أبا خالد وموسى بن منصور، وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب، ويعيبون من يُكفّر، ويقولون: “إنّا نقول بقول الخوارج” ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ) أهـ
ومن ذلك ما نقله الشاطبي عن الحافظ عبد الرحمن بن بطة ، بعدما شكا من بهتان أهل زمانه ومخالفيه له، ورميه بشتى التهم والألقاب، حيث قال: (فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه، إذ حكى عن نفسه فقال: “عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين، والعارفين والمنكرين، فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن، أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً، دعاني إلى متابعته على ما يقوله، وتصديق قوله والشهادة له، فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك سمّاني موافقاً، وإن وقفت في حرف من قوله، أو في شيء من فعله سماني مخالفاً، وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد، سماني خارجياً، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً، وإن كان في الرؤية سماني سالمياً، وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً، ...
إلى أن قال: “… ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعال، ولن يغنوا عني من الله شيئاً، وإني مستمسك بالكتاب والسنة، واستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم “.
ثم قال الشاطبي: (هذا تمام الحكاية فكأنه رحمة الله تكلم على لسان الجميع.. )اهـ
وكأنه تكلم ببعض أحوالنا ..
حتى بلغ الأمر بعلماء السلاطين في زماننا أن يطلقوا وصف الخوارج على كل من كفّر من حكم بالقوانين الوضعية ؛أو كفّر من تولى الكفار وظاهرهم على المسلمين ،ووصفوا به كل من دعا للخروج على الطواغيت أو شكك في بيعتهم وطعن في شرعيّة ولايتهم..
ولو كان لا يكفرهم كالدويش ومن معه - راجع فتوى علماء العارض الشهيرة- وكذا جهيمان ومن معه - راجع فتاوى كبار علمائهم في وقته - وأمثال ذلك من الأحداث التي يعاينها البصير في عرض العالم وطوله ..
والتاريخ شاهد عليهم !!
فالبهت (عندهم) رخيص سعره *** حثواً بلا كيل ولا ميزان
وهذا الوصف غالبا ما يأتي كمقدمة ووسيلة لقمع هؤلاء وإغراء الحكام بهم لاعتقالهم أو قتلهم.
فعلماء السلاطين كما قال الشاعر :
لا يفزعون إلى الدليل وإنما *** في العجز مفزعهم إلى السلطان
ولقد استعمله الطواغيت وعلماؤهم لأنهم يعرفون أن المسلمين يكرهون هذا الإسم ويكرهون من اتصف به ، فيراد لهم أن يسكتوا عن قمع من وُصِف به؛بل ويتعاونوا مع القامع فيبلغوا عن المظلوم المقموع ؛ ويشوا بكل من ألصق به وصف الخوارج فيصيروا مباحث ومخبرين لولاة الخمور .
واليوم استعمل هذا الوصف وأطلق على طوائف في الساحة الشامية من قبل علماء سلاطين وشرعيو فصائل ممولة أو منحرفة أو مكلومة ومعتدى عليها من الغلاة بل استعمله إعلام أنظمة كافرة وطواغيت يعطلون الشريعة ويحاربون أنصارها؛ حتى رأينا رؤوس الكفر وعباد الصليب قد استعملوه ؛ فبلغ بهذه المهزلة أن استعمله (كيري وأوباما والنتن ياهو وأشباههم )!!
استعمله هؤلاء جميعا استعمالا سياسيا بعيدا كل البعد عن الإستعمال الشرعي طبعا ؛ ليحققوا مآرب لهم ويقطفوا ثمرات خبيثة ؛ منها:
ـ تسويغ قتل خصومهم المعنيين قتل استئصال؛ تستدعى له أحاديث وصفت قتلهم بـ (قتل عاد) أو(شر قتلى تحت أديم السماء) وليطبق عليهم كلام شيخ الإسلام الذي ميّز فيه قتال الخوارج المارقين عن قتال البغاة المتأولين ؛ وهذا مأرب أول لهم مهم .
وقد حذرنا مرارا أنه لن يقف عند جماعة الدولة بل سيتعداهم إلى كل جماعة تتمسك بمطلب تطبيق الشريعة وترفض الذوبان في المشروع الصليبي والطاغوتي.
ـ والمأرب الآخر الخبيث هو تجويز الاستعانة على قتالهم واستئصالهم بأنظمة الكفر والطواغيت بل وبحلف الناتو والأمريكان ،ومن ثم مظاهرة جيوش الصليب والردة والتنسيق معها ضد أولئك الخصوم ؛ بدعوى أن من السلف من كفروا الخورج ! فيظن المبطل المستدل بهذا أنه قد نجا بذلك من الناقض الثامن الشهير الذي ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام وهو: (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين) كونه استعان بكفار أو ظاهرهم على كفار! وليسوا مسلمين بزعمه وتعسفه.
فقابلوا الغلو بغلو ، والتخبط بتخبط .. واختلطت الساحة وكثر الهرج والمرج واستحلت الدماء وقتل مهاجرون وأنصار ما جاؤوا للشام إلا لنصرة أهله على النصيرية لإقامة دين الله وتحكيم شرعه.
وصار الغلاة يقاتلون من يكفرّهم قتال ردة يستحلون به دماءهم وأموالهم بل ويغمزون في عرض نسائهم، ويقدّمون قتالهم على قتال النصيرية والروافض ، بحجة أن قتال المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي، ورأينا مقاطع الذبح والقتل تجري على أناس يلفظون أنفاسهم وهم يشيرون بإشارة التوحيد!
وفي الطرف الآخر صار خصومهم يقاتلونهم ويحشدون ويؤلبون كل من هب ودب عليهم ، ويستعين بعضهم بالكفار بدعوى أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين،ولن يعجزوا أن يستدعوا ويستدلوا لذلك بأقوال بعض أهل العلم بل والسلف في الخوارج المارقين الذين لم يكن عندهم تأويل ؛ كنحو ما أخرجه ابن ابي شيبة عن عاصم بن شمخ قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول - ويداه هكذا، يعني ترتعشان من الكبر-: " لقتال الخوارج أحب الي من قتال عدتهم من أهل الشرك". قال ابن حجر رحمه الله " قال ابن هبيرة : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الاسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى". فتح الباري
فاستحرّ القتل واستفحل البلاء وتشعّب القتال ؛ حتى حرّت به عيون المسلمين ، وقرّت به عيون الطواغيت والمشركين ،وبات اليهود يتفرجون عليه فرحين مسرورين آمنين في سربهم ، وهو على بعد رمية حجر منهم؛ لا يصلهم شيء من ضرره أو شرره.
وزين هذا الاقتتال علماء السلاطين بتوجيه من ولاة أمرهم أو بغير توجيه؛ فحرضوا عليه وأججوا ناره بفتاوى تناسب أهواء الحكام والداعمين ، وهؤلاء أخبث من الصنف الذين قال عنهم شيخ الإسلام : (و لهذا نجد هذا الصنف من الفقهاء يدخلون في كثير من أهواء الملوك و الحكام ، و يأمرون بالقتال معهم لأعدائهم ، بناء على أنّهم أهل العدل وأولئك بغاة ، و هم في ذلك بمنزلة المتعصّبين لبعض أئمّة العلم أو أئمّة الكلام أو أئمّة المشيخة على نظرائهم مدّعين أنّ الحقّ معهم ، أو أنّهم أرجح بهوى قد يكون فيه تأويل بتقصير لا بإجتهاد ، و هذا كثير في علماء الأمّة و عبّادها و أمرائها و أجنادها ، وهو البأس الّذي لم يرفع بينهم ، فنسأل الله العدل ، فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ بالله)اهـ. مجموع الفتاوى
فكيف بمن جعلهم خوارج ورتب على هذا الوصف تلك المآرب الخبيثة إرضاء للطواغيت وتحقيقا للرغبات الدولية والمخططات الصليبية! اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة.
وقد قدمت في رسالتي التي كتبتها عن تكفير الخورج ؛ أن الجمهور على عدم كفرهم كما قال النووي في شرح مسلم (2/50) : (الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ : أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَع ) اهـ.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: (ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري ، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان ، وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم ،وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقةكلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان)اهـ 5/169

وهذا في حال ثبتت صفة الخوارج عليهم ؛ فإنهم لا يكفرون ، ومن ثم فلا تجوز الاستعانة بالكفار عليهم ، فضلا عن مظاهرة الكفار عليهم لاستئصالهم .وهذا هو الحق الذي لا محيص عنه ، ولا يحيص عنه إلا عبد للطاغوت أو عبد للهوى.
ومعلوم أن مسألة توصيفهم أمر اجتهادي ينبغي أن يعذر العالم في اختياره فيه؛ولا يشنع به عليه إن كان من أهل الإجتهاد وليس من أهل الأهواء.
ولذلك فإن عدم اختياري إطلاق ذلك الوصف عليهم - رغم اعترافهم لي أن في صفوفهم بل في شرعييهم من هو من الخوارج - هذا الإختيار لم يجعلني أنكر على الشيخ الحبيب أبي قتادة تسميته لهم بذلك، لأني أعرف فقهه وعلمه وأنه يعني بذلك ابتداء القيادة المغالية المتغلبة فيطلق على الجماعة وصف قيادتها المتغلبة ومن تابعها على ذلك وسكت عنها يتحمل مسؤولية ذلك، وأنا أوافقه بأن في قيادتها كالعدناني ونحوه من هو رأس في الغلو ؛ ولكني أعرف كما يعرف الشيخ أن في الدولة من يخالف العدناني بل ويتمنى زواله هو وأمثاله من أهل الغلو ، وأن بقاء هؤلاء الشباب هو على أمل إصلاح فصيل ذي شوكة يدّعي تحكيم الشرع؛ في مقابل ما يرونه من تمييع فصائل منها من يحكم الهوى في مخالفهم فتقدر على قتله وتسعى في استئصاله، وتترك تحكيم الشرع بدعوى عدم القدرة والعجز! هذا غير خضوع بعضها لأجندات الداعمين من طواغيت شرقيين أو غربيين.
ولذلك يفتري على الشيخ أبي قتادة من يلصق به تكفير جماعة الدولة أو تجويز إعانة الكفار أو مظاهرتهم عليها ؛ فليس هذا مذهبه ولا اختياره ؛ فهو حفظه الله من فقهاء الصقور ؛ فليبحثوا عن ضالتهم عند فقهاء الجحور والقصور الذين جنحوا هم وبعض الجماعات والفصائل إلى اختيار تكفير الخوارج لجعله وسيلة لتبرير طريقة جديدة لقتالهم بالتنسيق مع الكفار ؛ أي لتسويغ مظاهرة الكفار عليهم ، وذلك إنتقالا مما كان عليه بعضهم من طرح جواز الاستعانة بالكفار على الخوارج ليبرروا الاستعانة بالأتراك العلمانيين عليهم، فلما خرجت أفعالهم عن حد الاستعانة إلى التنسيق مع طيران التحالف وإرشاده إلى مواقع خصومهم؛انتقلوا إلى الطريقة الأخرى باختيار المذهب المرجوح والتعسف في تنزيله على خصومهم ، وهو تكفير من يرونهم خوارج ليحققوا هذه المآرب الخبيثة ! خصوصا مع التآمر العالمي التي يحشد من قبل حلف الناتو وطواغيت العرب والعجم ضد كل من لا يذوب في مشروعهم الممسوخ .. واستدل بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:" لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ومعلوم أنه لم يقصد بهذا تكفيرهم كما فهمه البعض ،بل المراد قتلهم قتلا عاما مستأصلا كما بينه بعض العلماء.. وهذه الطريقة في القتال إنما هي في الخوارج المارقين الذين ليس لهم تأويل سائغ كما ذكر ذلك ونص عليه شيخنا ابن تيمية ..
ولذلك علقت على من استدل عليّ بفتوى شيخ لإسلام التي فيها اختياره لصفة قتال الخوارج وأنها تفارق صفة قتال البغاة ؛وأجبته بما معناه: أن من أفتاهم شيخ الإسلام لم يكن فيهم عملاء يتلقون التوجيهات من الداعمين في قتال الخوارج ..
هذا كان معنى ردي باختصار ؛ وأضيف عليه قبل أن أورد مختصر كلام شيخ الإسلام من الفتاوى:
بأن هذا الذي ذكره لا شك أنه اختيار شيخ الإسلام فيمن كانوا خوارج مارقة ليس عندهم تأويل سائغ في تكفير وقتل المخالف المسلم وسفك دمه واستحلال ماله.
أما مع وجود التأويل فمن نسب ذلك لشيخ الإسلام فقد قوله ما لم يقل وانحرف عن النهج العلمي واتبع طريقة أهل الزيغ باتباع المتشابه من القول والفتوى وفصلها عما يوضحها من عموم كلامه المكرر في فتاويه ؛ وهاك بعضه..
قال رحمه الله وهو يتكلم عن قتال الروافض والنصيرية: (فإذا كان علي بن أبي طالب قد أباح لعسكره أن ينهبوا ما في عسكر الخوارج مع انه قتلهم جميعهم كان هؤلاء أحق بأخذ أموالهم وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل إنه لا يقتل مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا يسبى لهم ذرية لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ وهؤلاء ليس لهم تأويل سائغ ومثل أولئك إنما يكونون خارجين عن طاعة الإمام وهؤلاء خرجوا عن شريعة رسول الله وسنته وهم شر من التتار من وجوه متعددة لكن التتر أكثر وأقوى فلذلك يظهر كثرة شرهم ) اهـ الفتاوى (35/223)
فتأمل إلى قوله رحمه الله : (وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل إنه لا يقتل مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا يسبى لهم ذرية 
-لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ وهؤلاء ليس لهم تأويل سائغ.
- ومثل أولئك إنما يكونون خارجين عن طاعة الإمام وهؤلاء خرجوا عن شريعة رسول الله وسنته)
فهاهنا فرقان معتبران أهملهما من يريدون استعمال فتوى شيخ الإسلام في خصومهم بعد أن سموهم بالخوارج ليسوغوا هذا الإستعمال ؛ وهما فرقان يهدمان الإستدلال بفتوى شيخ الإسلام على هذه النازلة ؛ ويقوضان بنيان فقهاء الجحور والمازوت الذي بنوه على شفا جرف هارٍ من قواعدهما:
الفرق الأول : التأويل السائغ: فقد أوضحت فتوى شيخنا رحمه الله أن التأويل عند المقاتل، يغيّر صورة وطبيعة قتاله وينقله من الطريقة التي فرح بها من يريدون الثأر من خصومهم بعد أن نعتوهم بالخوارج ليتوصلوا إلى استئصالهم وقتلهم قتل عاد ؛ينقله إلى الصورة التي بينها شيخ الإسلام بقوله : (المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل إنه لا يقتل مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا يسبى لهم ذرية لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ وهؤلاء ليس لهم تأويل سائغ)
الفرق الثاني : التفريق بين من خرج عن طاعة الأئمة أو طاعة المجاهدين وانشق عنهم ؛ وبين من خرج على الشريعة وهو قوله (ومثل أولئك إنما يكونون خارجين عن طاعة الإمام وهؤلاء خرجوا عن شريعة رسول الله وسنته)اهـ
فالفصائل التي تنادي وتقبل الدولة الديمقراطية التعددية التي من مبادئها القبول بأي حكم تحكمه الأغلبية ولو كان حكما علمانيا ؛ وتسير بأوامر الداعمين الصليبيين أو المرتدين ؛ أمثال هذه الفصائل قد خرجت على الشريعة ؛ وهذا الخروج شر وأخبث وأخطر من الخروج عن الأمراء أو الخروج عن جمع المجاهدين ،أو الإفتئات عليهم أوعدم استشارتهم أو شق صفهم ؛ والمفروض أن هذا أمر لا يجادل به عالم ولا عاقل ؛ ولا ينتطح به كبشان ؛ لكن عين الخصومة ميالة للهوى وتأبى العدل والإنصاف .

وسئل شيخنا رحمه الله عن " البغاة والخوارج " : هل هي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد ؟ أم بينهما فرق ؟ وهل فرقت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما أم لا ؟ ...
فأجاب : ( الحمد لله . أما قول القائل : إن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما إلا في الاسم . فدعوى باطلة ومدعيها مجازف فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم : مثل كثير من المصنفين في " قتال أهل البغي " فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة وقتال علي الخوارج وقتاله لأهل الجمل وصفين إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام . من باب " قتال أهل البغي " ثم مع ذلك فهم متفقون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة ؛ لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق ؛ بل مجتهدون : إما مصيبون وإما مخطئون . وذنوبهم مغفورة لهم . ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقا فإذا جعل هؤلاء وأولئك سواء لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين على العدالة [ سواء ] ؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة ولكن أهل السنة متفقون على عدالة الصحابة . وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين " الخوارج المارقين " وبين " أهل الجمل وصفين " وغير أهل الجمل وصفين . ممن يعد من البغاة المتأولين . وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم : من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم . )اهـ
إذن فالخوارج المارقون قد خرجوا على خير القرون ؛ خرجوا على الصحابة، ولم تكن لهم شبهة تأويل تجعلهم كالبغاة ؛ فأي تأويل سخيف يبرر قتال من شهد لهم النبي بالجنة ومن حكّموا الشرع ولم يتخلوا عن شيء من أحكامه ؛ فمن شكّك فيهم وطعن في دينهم ونفى تحكيمهم للشرع ؛ ثم أضاف إلى ذلك سفك دمائهم والخروج عليهم ؛ فقتال مثل هذا واستئصاله لا ينتطح فيه عنزان ..
لكننا اليوم مع قوم يريدون تحكيم الشريعة بل وإقامة الخلافة وسواء صدقوا أم كذبوا ؛ ففيمن يقاتلهم من يطالب بالحكم الديمقراطي التعددي،و من لا ترى جديته في تحكيم الشرع حيث تراه في أماكن ومناطق سلطانه يقتل لمخالفين له ممن يسميهم خوارج يقتلهم على بيعتهم للبغدادي أو طعنهم في فصائلهم وقياداتهم حتى ولو لم يسفك الواحد من أولئك دما معصوما فيقتلونه ، وإن روجعوا بتحكيم الشريعة تذرّعوا بعدم القدرة وعدم التمكين.. ومنهم من يصرّح علانية بطلب دعم الأمريكان لقتال الخوارج ، ومنهم من يوجه طيران التحالف لقصفهم ، ومنهم من يرحّب بالغزاة من طواغيت العرب والعجم وينضوي تحت إمرتهم ، ومنهم من يوجه بأوامر الداعمين ، ومنهم من يظاهر تركيا وحلف النيتو عليهم ؛ ومنهم منيظاهر البككة وأشباههم عليهم .. وأحسنهم طريقة من لا يوجد عنده شيء من هذا ولكنه يتحالف مع بعض هذه الأصناف لقتال من يسميهم بالخوارج وهو يعلم أن بعض تلك الفصائل لامانع عندها من التحالف مع الطواغيت ويعلم تلقيها الدعم منهم..
أفيساوى من قاتل هؤلاء متؤولا أنهم يقفون في وجه سعيه لإقامة الشرع والخلافة؛ أيساوى بمن قاتل الصحابة وكفر عثمان وعليا وأتباع عثمان وعلي ؛ دون أن يملك عشر معشار هذه التأويلات !!؟
أفيحل لفقهاء الجحور وفصائل المازوت ؛ أن ينتقوا من دين الله ما يوافق رغباتهم ويتناغم مع رغبات طواغيت الغرب والشرق ويريدون إلزام مخالفيهم (بباب قتال الخوارج والملحدين) حتى سمعنا البعض يصرّح بأن من لم يقاتلهم فليس بأخينا !! ويعرضون عن (باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفّر الناس عنه) وكلاهما في صحيح البخاري ومن تبويبه
حتى صار بعضهم ينكر على من دعا إلى وجوب الاجتماع بين المسلمين لقتال الكفار والمرتدين ،وأنكر أو استثقل الدعوة للتنسيق مع من يراهم خوارج لقتال الكفار والمرتدين..
وتضيق صدورهم بفعل علماء المغرب حين قاتلوا العبيديين مع أبي يزيد الخارجي فكانوا فقهاء في هذا الاختيار لأن الغزو مع الأمير الفاجر مما تقرر عند أهل السنة والجماعة إن لم يتيسر غيره، أو كان في ترك الجهاد معه تسلط من هم أفجر منه، وبالاتفاق فإن النصيرية والمرتدين وعبد الطاغوت أفجر من الخوارج، فكيف والاتفاق عند المحققين لا الفاجرين بالخصومة على أن من نتكلم فيهم ليسوا خوارج جميعا بأعيانهم !
هذا ويجب أن يتنبه إلى أن تأويلات الخوارج الذين يتكلم عنهم شيخ الإسلام وتتنزل عليهم فتواه -التي تمسك بها وفرح من دعا إلى استئصال جماعة الدولة وقتلهم قتل عاد- غير مستساغة بل قد قرر شيخ الإسلام أن تأويلهم من جنس تأويلات مانعي الزكاة واليهود والنصارى وأنه شر تأويلات أهل الأهواء ؛ فليحرر هذا وليتنبه إليه من نزّل فتوى شيخ الإسلام تعسفا على من ليس تأويلاتهم من جنس تأويلات مانعي الزكاة واليهود والنصارى ؛ بل في بعض خصومهم ممن يمتنعون عن الشريعة أو يدعون لدولة تعددية يردّ فيها نوع الحكم إلى الشعب من هم كذلك عند التحقيق .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الاجتهاد . وهؤلاء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع ولكن لهم تأويل منجنس تأويل مانعي الزكاة والخوارج واليهود والنصارى . وتأويلهم شر تأويلات أهل الأهواء)اهـ
وقد بين رحمه الله سبب تميّز قتال البغاة عن غيرهم بنوع قتال خاص ؛ لا يتبع فيه مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يجهز على جريحهم؛ (أن لهم تأويلا سائغا خرجوا به ولهذا قالوا أن الإمام يراسلهم فإن ذكروا شبهة بينها وإن ذكروا مظلمة أزالها)اهـ
وقال في فتوى له عن قتال التتار وأنهم ليس لهم تأويل سائغ وذكرأنهم من جنس الخوارج المارقين ونحوهم (ممن يقاتل على ما خرج عليه من شرائع الإسلام)! 297/35 : (والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاةالمتأولين، فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلاً، وإنما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعي الزكاة، وأهل الطائف، والخرمية، ونحوهم ممن قاتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام، وهذا موضع اشتبه فيه على كثير من الناس من الفقهاء، فإن المصنفين في قتال أهل البغي جعلوا قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج، وقتال علي لأهل البصرة، وقتاله لمعاوية وأتباعه، من قتال أهل البغي وذلك كله مأمور به، وفرّعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس، وقد غلطوا، بل الصواب ما عليه أئمة الحديث والسنة وأهل المدينة، كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأحمد بن حنبل وغيرهم: أنه يفرّق بين هذا وهذا، فقتال علي للخوارج ثابت بالنصوص الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين، وأما القتال يوم صفين ونحوه فلم يتفق عليه الصحابة، بل صد عنه أكابر الصحابة، مثل سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر وغيرهم... 
إلى أن يقول: ( فالفتن مثل الحروب التي تكون بين ملوك المسلمين، وطوائف المسلمين، مع أن كل واحد من الطائفين ملتزمة لشرائع الإسلام مثل ما كان من أهل الجمل وصفين، وإنما اقتتلوا لشبه وأمور عرضت، وأما قتال الخوارج ومانعي الزكاة، وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا، فهؤلاء يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة، فلا ريب أنه قتل أسيرهم واتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم، فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه، فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم في بلادهم لقتالهم، حتى يكون الدين كله لله... )اهـ

*بيان أن سبب خروج الخوارج الأوائل عدم احتمالهم واستيعابهم لاجتهادات وتأويلات الخليفتين الراشدين عثمان وعلي رضي الله عنهما :
وقال شيخ لإسلام 35/267 الفتاوى: (وكان سبب خروجهم ما فعله أمير المؤمنين عثمان وعلي ومن معهما من الأنواع التي فيها تأويل؛ فلم يحتملوا ذلك، وجعلوا موارد الاجتهاد –بل الحسنات – ذنوباً، وجعلوا الذنوب كفراً، ولهذا لم يخرجوا في زمن أبي بكر وعمر؛ لانتفاء تلك التأويلات وضعفهم")اهـ
وأما الخصومة بين جماعة الدولة والطواغيت والمرتدين والصليبيين ومن يواليهم وينسق معهم ويسير حسب أجنداتهم ويعلن أنه يسعى لدولة تعددية ديمقراطية يختار الشعب فيها نوع الحكم ؛ فليست في مثل تلك الموارد التي يجوز فيها الإجتهاد ومع ذلك خرج عليها المارقون ، وطعنوا بالصحابة والخليفتين الراشدين ؛ ولذلك لا يجوز أن يساوى جماعة الدولة بالخوارج الأوائل تعسفا لتنزل عليهم فتوى شيخ الإسلام ؛ فالمروق أولى بتلك الفصائل المنحرفة عند التحقيق .
*حكم الواحد المقدور عليه إن كان على رأي الخوارج:
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فأما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج كالحرورية، والرافضة ونحوهم فهذا فيه قولان للفقهاء، هما روايتان عن الإمام أحمد، والصحيح أنه يجوز قتل الواحد منهم كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد ... إلى قوله : ( فإذا لم يندفع فسادهم إلا بالقتل قتلوا.
ولا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول، أو كان في قتله مفسدة راجحة")اهـ35/273
ومنه تعلم أنه حتى الخوارج المارقين وأشباههم ممن عناهم شيخنا كالذين خرجوا على الصحابة ولم يتحملوا موارد الإجتهاد عند الخليفتين الراشدين ؛ ليس قتل الواحد المقدور عليه منهم محل اتفاق بين العلماء ؛فكيف بمن لم يكن من جنس أولئك الخوارج المارقين وكان عنده من التأويلات بسبب انحراف كثير من خصومه وتحالف بعضهم مع الطواغيت عليه؛فمن باب أولى أن لا يقتل الواحد المقدور عليه ممن انكف صياله بجراحات أو أسر أو نحوه ،ولذلك فما نراه من قتل كل من انتسب إلى جماعة الدولة أو بايعهم ولو لم يكن متلطخا بدم أو معينا عليه ؛ هذا القتل ليس شرعيا بل أهوائيا إما لدافع الخصومة والثأر من جماعة الدولة بمن قدر عليه منهم ؛ أو تناغما مع رغبات الداعمين الدولية ، وفي كل الأحوال فلا يحل نسبته إلى اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية فضلا عمن سبقوه من الأئمة والسلف والصحابة.

*الإستعانة بالكفار على المسلمين لا تجوز ؛ ومظاهرة الكفار على المسلمين كفر:
قد قال الإمام الشافعي: «لا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين؛ ذمي ولا حربي، ولو كان حكم المسلمين الظاهر؛ ولا أجعل لمن خالف دين الله، الذريعة إلى قتل أهل دين الله» وتأمل جملته الأخيرة.
وقال الشوكاني: (وأما الاستعانة بالكفار فلا تجوز على قتال المسلمين؛ لأنه من تعاضد الكفر والإسلام على الإسلام، وقبح ذلك معلوم، ودفعه بأدلة الشرع لا تخفى)
وقال ابن حزم: «وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشـركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيهم؛ فإن كانت يده هي الغالبة، وكان الكفار له كأتباع، فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافرًا؛ لأنه لم يأت شيئًا أوجب به عليه كفرًا؛ قرآنٌ أو إجماع.
وإن كان حكم الكفار جاريًا عليه فهو بذلك كافر على ما ذكرنا». المحلى
ويشير ابن حزم بقوله: «على ما ذكرنا» إلى قوله: «من لحق بدار الحرب مختارًا محاربًا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد، له أحكام المرتد كلها». المحلى (11/199، 200)
ولذلك ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز الاستعانة بغير المسلمين في قتال البغاة والخوارج من المسلمين.
قال القرافي من المالكية في قتال أهل البغي: (ولا يقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعان عليهم بمشرك)
وقال الصاوي: (ولا يستعان عليهم بمشرك و لو خرج من نفسه طائعاً بخلاف الكفار)
وقال النووي من الشافعية: (لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم ولهذا لا يجوز لمستحق قصاص أن يوكل كافراً باستيفائه ولا للإمام أن يتخذ جلادا كافراً لإقامة الحدود على المسلمين)
وقال ابن قدامة من الحنابلة:(ولا يستعين على قتالهم – أي البغاة - بالكفار بحال ولا بمن يرى قتلهم مدبرين)اهـ
ومن ذهب من الحنفية إلى جواز الاستعانة بغير المسلمين على بغاة المسلمين، اشترطوا أن يكون حكم الإسلام هو الظاهر. فأين ظهوره عند الفصائل التي تعطل تطبيق الشرع بحجة الإستضعاف وعدم التمكين !؟ وأين ذلك الظهور مع هيمنة الناتو والداعمين من طواغيت العرب والعجم !!
قال السرخسي الحنفي: (وإن ظهر أهل البغي على أهل العدل حتى ألجأوهم إلى دار الشرك فلا يحل لهم أن يقاتلوا مع المشركين أهلَ البغي؛ لأن حكم أهل الشرك ظاهر عليهم ولا يحل لهم أن يستعينوا بأهل الشرك على أهل البغي من المسلمين إذا كان حكم أهل الشرك هو الظاهر، ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل ظاهراً)اهـ
وأين ظهور حكم الفصائل على من يستعينوا به من الأنظمة العلمانية أو الصليبية أو الطواغيت !؟ لا يزعم ذالك عاقل فضلا عن عالم فاهم .
والصواب أنه لا يجوز الاستعانة بالكافر على المسلم لأن ذلك نوع من تسليط الكافر عليه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك ؛ فقال بصيغة الخبر الدال على الطلب : (وَلنْ يَجْعَلَ اللهُ للكَافِرينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيْلاً) فلا يحل تسليط كافر على مسلم.

*الخلاصة والخاتمة نسأل الله حسنها:
- لفظة الخوارج استعملها أهل البدع وعلماء السلاطين قديما وحديثا في بهت أهل الحق؛ فلا غرو أن يستعملوها في وصف طائفة خرجت على ولاة أمرهم وكفرّت حكامهم ، فكيف إن توسعت في التكفير والذبح والتفجير لكثير من مخالفيها من أهل الجهاد!
- اختار بعض علماء السلاطين وأصحاب الأهواء والثارات تكفير الخوارج مع أنه اختيار مرجوح ؛ بل يضعف جدا تنزيله على المعنيين لأن من كفر الخوارج من السلف كفر طوائف معينة منهم لمكفرات ظاهرة وقعت بها تلك الطوائف ولم يكفروا عموم الخوارج.
- اختار علماء السلاطين وتكفيريو المرجئة وأهل الثارات هذا الاختيار المرجوح (تكفير الخوارج)وتعسفوا فيه ليقطفوا ثمرة خبيثة فيجيزوا مظاهرة الكفار على من وصفوهم بالخوارج، ويستعينوا بالمشركين ليستأصلوهم ويقتلوهم قتل عاد ، وهذه الألفاظ وإن وردت بالأحاديث فاستخدامها بهذه الطريقة التكفيرية إفتراء على الشريعة وتحريف لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وتضليل لأتباعهم، فليحذر كل تابع من تضليل متبوعه له ، وإياه وتقليده فيما يورّطه في سفك دماء الموحدين ؛ فإنه لن يغني عنه من الله شيئا ، وليتذكر (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)
- وليعلم أن طائفة من العلماء قد ساوت بين الخوارج والبغاة كما ذكره شيخ الإسلام حين رد دعوى الإجماع على ذلك حيث قال رحمه الله : (فإن نفي الفرق - أي بين البغاة والخوارج - إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم : مثل كثير من المصنفين في " قتال أهل البغي " فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة وقتال علي الخوارج وقتاله لأهل الجمل وصفين إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام . من باب " قتال أهل البغي ")اهـ.وشيخنا يختار خلاف هذا القول لكن من إنصافه وتحقيقه وتدقيقه يورده ، ونحن نفعل ذلك تأسيا به ؛ فأهل الحق يوردون ما لهم وما عليهم ؛ وأهل البدع لا يوردون إلا ما يظنونه لهم ويكتمون خلافه.
- الخوارج الذين نزل الصحابة فيهم هذه الأوصاف ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لاستئصالهم وقتلهم قتل عاد لم يكن لديهم أدنى شبهة تأويل مستساغ؛ فقد خرجوا على أئمة خير القرون كعثمان وعلي ، وقتلوا خيارهم وقاتلوهم لاجتهادات أجازتها لهم الشريعة ، بل واتهموهم بالحكم بغير ما أنزل الله ، مع أن الصحابة والخلفاء آنذاك كانوا هم أهل الحكم بما أنزل الله وخاصته الذين رووا لواء الشريعة بدمائهم ورفعوه بجماجمهم؛ وأما من يريدون اليوم تنزيل صفة الخوارج وما يترتب عليها على خصومهم ليستأصلوهم ويقتلوهم قتل عاد؛ فأكثرهم كعلماء السلاطين وفصائل الوطنية المدعومة والمسيّرة فأكثرهم يعطلون الشريعة أو يزعمون تحكيمها ويحكمونها على الطريقة اليهودية (إن سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وإن سرق الشريف تركوه) أو يزعمون تحكيمها ويتولون الصليبيين أو المرتدين.
- وقد بين شيخ الإسلام أن تأويلات الخوارج الأوائل الذين أفتى فيهم فتواه -التي تمسك بها وفرح من دعا إلى استئصال جماعة الدولة وقتلهم قتل عاد- قرر شيخ الإسلام أن تأويلاتهم شر تأويلات أهل الأهواء ؛ من جنس تأويلات مانعي الزكاة واليهود والنصارى وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا، وهذا ليس من جنس تأويلات من يراد تعسفا تنزيل الفتوى ونقلها عليهم.
وقد ذكر أيضا أن سبب اختلاف نوع قتالهم أيضا ؛ أنهم امتنعوا عن بعض الشرائع ولذلك قرر أنهم يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة .
وعند النظر في واقع الساحة الشامية بإنصاف وتجرد بعيدا عن حظوظ النفس والهوى ؛ يتبين أن تأويلات جماعة الدولة ليست من جنس تأويلات مانعي الزكاة ولا من جنس تأويلات اليهود والنصارى قطعا ؛ بل في بعض تأويلات خصومهم ممن يمتنعون عن الشريعة أو يدعون لدولة تعددية يردّ فيها نوع الحكم للشعب ؛ما هو من جنس تأويلات أولئك الذين ذكرهم شيخنا عند التحقيق.
- لم يفت شيخ الإسلام فتواه هذه في وصف قتال المارقين الذين ليس لهم تأويل سائغ والتي احتج بها المميعون وتعسفوا في تنزيلها على قوم آخرين لهم تأويل بعضه سائغ ؛ لم يفتها شيخ الإسلام لقوم يظاهرون العدو الصليبي والطواغيت وأمثالهم على الخوارج.
- وبطبيعة الحال لم يفت شيخ الإسلام فتواه هذه لقوم يعطلون الشرائع ويبتغون غير الله حكما وغير دينه تشريعا وحكما.
- كما لم يفت شيخنا فتواه هذه لقوم يجعلون نوع الحكم بيد الشعب ، ويبتغون الديمقراطية طريقة للحكم ، وحاكمية الجماهير والشعوب منهجا .
- فقه شيخ الإسلام ليس من جنس فقه مشايخ الجحور وعلماء القصور ؛ وبعد نظره وعلمه لا يمكن أن يتساهل بشيء مما تقدم ، ومن حسن الظن بشيخنا أنه ليس بمفت للصحوات؛ ولا يمكن أن يقبل علمه وفقهه إصدار مثل هذه الفتاوى ومنحها لمن يظاهر الناتو أو يُوجه من قبل الطواغيت.
- جرائم جماعة الدولة في حق كثير من مخالفيهم ، وعدم قبولهم التنسيق أوالتحالف مع أقرب الفصائل إليهم ، وطرح موضوع تكفيرهم وردتهم بعد أن كان الخلاف معهم على الإمارة ، وغلوهم في التكفير وولوغهم في الدماء ؛جعل أكثر خصومهم يستثقل كلامنا هذا ، كما يستثقل أي دعوة للتنسيق معهم ، فضلا عن التحالف ،هذا إن أحسنا الظن ببعض تلكم الفصائل - ولا أعمم - وصدقت دعوى أنهم يملكون أمرهم ، وأن قرارهم بأيديهم لا بأيدي الداعمين خصومهم
- يجب أن يعلم أن فقهاء الجحور والقصور وطواغيتهم لن يتوقفوا في تنزيل فتوى الاستئصال وتوابعها على جماعة الدولة؛ بل هذه مرحلة وسينتقلون بعدها إلى كل من يرفض الذوبان في المشروع الأمريكي الذي سيفرضه الداعمون ؛ ابتداء من جبهة النصرة وجند الأقصى وأمثالهم ممن يصرون على أن غاية جهادهم تحكيم الشريعة ، وقد بدأت معالم ذلك تظهر على أرض الواقع ومؤامراتها تفتضح قبيل نشر هذه الكلمات.
أسأل الله تعالى أن يردّ بأس الذين كفروا ، وأن يجعل كيدهم في نحورهم ، ويجعل تدميرهم في تدبيرهم ،ويهدي ضال المسلمين ،ويوحد على راية التوحيد صفوف المجاهدين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

Comments

Popular posts from this blog

بين دايتون وغروزني اينفتح الشام / كتبها : على بصرة

غارة #سرمدا: هذه هي معركة إدلب المنتظرة/ على بصيرة

دروس لبنانية في الحرب السورية / على بصيرة