دروس لبنانية في الحرب السورية / على بصيرة



1- ينبغي إلقاء نظرة متأنية في مسار الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) من أجل استشراف ما يجري اليوم لإطفاء نيران الحرب الأهلية السورية.

2- بدأ الصراع في لبنان بطابع سياسي ولم يكن طائفياً، عنوانه إلغاء هيمنة الطائفة المارونية على مقاليد الأمور منذ إنهاء الانتداب الفرنسي 1943.

3-رغم أن اختلال التوازن السكاني بين المسلمين والنصارى كان الحافز الأساسي للمطالبات السياسية إلا أن أحزاباً علمانية يسارية قادت الصراع أولاً.

4- وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تدعم الأحزاب اليسارية فيما كانت مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش بيد الطائفة المارونية لكن الجيش تفكك.

5-نخرت الانشقاقات الجيش اللبناني في بداية الحرب الأهلية فلجأ النصارى إلى ميليشياتهم العسكرية المدعومة من دول عربية ومن إسرائيل فتغير الطابع.

6- ومن يرجع إلى أرشيف الصحف اللبنانية في تلك المرحلة سيجد العجب فقد وُجدت قذائف مدفعية غير منفجرة مرسلة من السعودية إلى حزب الكتائب!

7- وكان كثير من المثقفين والحزبيين النصارى إلى جانب الثورة الفلسطينية ومنضمين إلى الأحزاب اليسارية ويرفضون الهيمنة المارونية على لبنان.

8- إزاء هذا الواقع، اعتمدت المليشيات النصرانية أسلوباً وحشياً يذكّر بما فعله النصيريون في سوريا لوقف مد الأكثرية السنية، ارتكاب المجازر...

9-أقدم المسلحون النصارى آنذاك على قتل الأبرياء المسلمين وفقاً لأوراق الثبوتية او ما سمي في لبنان بالقتل على الهوية فسقط الآلاف بمجازر مروعة.

10-هذا الاستفزاز الهائل دفع المسلحين المسلمين في المعسكر المقابل إلى الرد بالمثل وبالطريقة نفسها ومع الوقت حدث الشرخ طائفياً عمودياً فانقسم.

11- انقسم لبنان إلى مناطق طائفية شبه صافية بعد موجات النزوح القسري هرباً من القتل والاغتصاب وانقسمت الدولة دولتين والجيش جيشين ونُسي السبب.

12- وفي زمن الضعف النسبي، ارتفعت دعوات التقسيم أو الفدرالية من طرف السياسيين النصارى وعندما دعمتهم إسرائيل صار شعارهم وحدة لبنان دون أي نقص!

13-مراحل الحرب الأهلية اللبنانية تنطبق بشكل شبه حرفي على المراحل الأساسية للثورة السورية التي حولوها عمداً إلى حرب أهلية وإلى حرب الآخرين!

14- لم تعد صراعاً لبنانياً بحتاً، بل صراعاً فلسطينياً لبنانياً، فلسطينياً سورياً، سورياً مصرياً، سورياً إسرائيلياً، أمريكياً روسياً، وهكذا.

15- ومع التدخلات الخارجية في الحرب، بلغ الاهتراء في معسكري الصراع الداخلي، أن وقعت حروب جانبية بين النصارى أنفسهم وفيما بين المعسكر الآخر.

16- بعد مرور أكثر من عشر سنوات، لم يعد يعرف اللبنانيون لماذا قامت الحرب؟ ولأجل ماذا؟ فصار جلّ الاهتمام هو إنهاء الحرب بأي ثمن وبأية وسيلة.

17- ومع سقوط أكثر من مائة الف قتيل وربما أكثر بكثير، بلغ الإعياء مبلغه لدى كل أطراف الصراع وباتت الأرض ممهدة لإنهاء الحرب مع انتهاء غاياتها.

18- لكن حرباً طويلة ومعقدة ومتعددة الأطراف لا يمكن أن تقف بقرار واحد لإطلاق النار أو عقب جولة واحدة من جولات التفاوض في عاصمة خارجية.

19-وبعد عشرات وربما مئات القرارات لوقف النار، وبعد جولات تفاوضية كثيرة في عواصم مختلفة ولقاءات سرية بين وسطاء في الداخل والخارج انتهت الحرب.

20- بالعودة إلى سوريا، فإن الحرب تخاض من جانب النظام وحلفائه لا سيما حزب الله في ضوء الدروس الغنية للحرب اللبنانية التي أصبحت حرباً عبثية.

21- وبالنظر إلى المآلات المطروحة للحرب السورية، فإن المُخرَج هو نفسه، إبقاء الرئاسة بيد الأقلية النصيرية لطمأنتها مع تجريدها من صلاحيات.

22- ومع مراقبة المرحلة الحالية، بالمقارنة مع الحرب اللبنانية يمكن القول بكل صراحة بأن الجهد المبذول لتأييس الناس وتمرير الحل يقترب من الهدف.

23-فتعدد جهود التهدئة ووقف إطلاق النار وتحقيق التوازن العسكري أولاً ثم كسر الطرف المعارض للحل السياسي ستؤدي كلها إلى نتائج هزيلة غير مكافئة.

24- انتهت الحرب اللبنانية عندما قرر رعاتها الخارجيون أنها قد استنزفت الأهداف المرسومة لها، وكان ذلك عبر صفقات فيما بين الدول لا بين الأطراف.

25- والمفارقة أن الطرف الأساسي الرافض لاتفاقية الطائف التي أنهت الحرب كان حزب الله الموالي لإيران والمتبني لشعار تصدير الثورة الإيرانية.

26- وكان القرار الدولي قد صدر عام 1990 بإقفال الملف اللبناني بكل وسيلة للتفرغ لحرب الكويت لإخراج جيش صدام منها ومن يعترض يتعرّض للخطر.

27- كما هو القرار الدولي بإقفال الملف السوري عام 2014 إثر سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة وإعلانه الخلافة وذلك للتفرغ لقتال التنظيم ودرء خطره.

28- لكن القضية السورية أكثر تعقيداً من القضية اللبنانية، وصمود الثورة السورية ما بين عامي 2014 و2016 رغم التدخل الروسي المباشر من الأعاجيب.

29- أواخر عام 1990، طرفان كانا يعارضان التسوية اللبنانية ميشال عون رئيس الحكومة وحزب الله اللبناني، فاختار الحزب السكوت وترك عون بالواجهة.

30- أسقط الجيش السوري ميشال عون بهجوم عسكري مباشر على القصر الجمهوري وبغطاء عربي وأمريكي وأصبح لبنان تحت الوصاية السورية الأسدية.

31- أما حزب الله فوجد له طريقاً لبناء قوة عسكرية متنامية بعيداً عن المؤسسات الرسمية مستفيداً من احتلال إسرائيل لجنوب البلاد وباسم المقاومة.

32- الدرس اللبناني للمعارضة المسلحة الرافضة للتسوية التركية الروسية الإيرانية أن لا تتصدر مشهد الرفض فتكون هدفاً متاحاً ومستساغاً للتحالف.

33- وأن لا تبادر إلى أي صراع مع المعارضة الأخرى التي تعبت أو استسلمت أو تفاءلت بالحلول السياسية بل الاحتفاظ بقوتها وإدارة الأزمة سياسياً.

34-إن من أكبر حوافز العمل العسكري ودعائمه ضد النظام هو قبول الحاضنة الشعبية وتأييدها حتى تحمي نفسها فجعلوا العسكرة من أسباب نكبتها فانتبهوا!

35-لذا كانت الأهداف المدنية المحضة من مدارس ومستشفيات ومساكن من أولويات الحملة الجوية السورية والروسية لتحقيق الانفصام بين المقاتلين والناس.

36-إلى ذلك، استثمار الوقت في التنظيم والتجنيد والتثقيف ورص الصفوف وقراءة الدروس ومراجعة الخطط، فلا بد أن تبرز ثغرات في التسوية المفروضة.

37- كما إعادة النظر في الرؤى السابقة مع تغير المزاج الشعبي تدريجياً قسراً وقهراً، والبحث في تحقيق المصالح المرحلية بالتعاون مع المخلصين اهـ


جمعهـا ونسَّــقـهـا العـبـد الفقيـر لعفـو ربـه
تلميذ | بل عابر سبيل | د. أبو سيَّاف المُهاجر

http://telegram.me/tlmith_pos

http://telegram.me/ahlalilm

http://tlmith.blogspot.com

Comments

Popular posts from this blog

بين دايتون وغروزني اينفتح الشام / كتبها : على بصرة

غارة #سرمدا: هذه هي معركة إدلب المنتظرة/ على بصيرة