سئل الشيخ المقدسي عن خياري القوة والديمقراطية لإقامة الدولة الإسلامية فأجاب سدده الله:


سؤال للشيخ المقدسي : تنظيم الدولة الإسلامية يتراجع ويفقد المناطق وتنحسر سيطرته عن أكثر المناطق التي حكمها وسيطر عليها بالقوة ...هل نقدر أن نستنتج من هذا أنَّه في حال فشل تجربة هذا " التنظيم " فيعني ذلك فشلُ خيار القوة لإقامة الدولة الإسلامية ، ومن ثم لا يبقى إلا الطريق الديمقراطي العصري؟


الجواب : بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فبالنسبة للطريق الديمقراطي فهو طريقٌ فاسدٌ شرعاً ، فاشل تجربة وتطبيقاً ولا يُعدُّ خياراً عند أهل التوحيد والجهاد ، وقد كتبنا وكتب مشايخ هذا التيار في فساد هذا الطريق من الناحية الشرعية ومُناقضته للتوحيد والطريقة النبوية في إقامة الدين .. كما رأى الناس بطلان هذا الطريق الذي فُرِض على الشعوب المسلمة كبديل عن الجهاد ووسيلة للوصول إلى الحكم ، ومع ذلك فقد رأى الناس أنه يمكن أن يُسمح لكل المنحرفين أن يصلوا من خلاله للحكم، فإذا حاول أن يستعمله بعض من ينتسب للدين ولو نسبة مشوهة ؛ لم يسمحوا بوصوله من خلال ديمقراطيتهم ، ولو وصل فإنهم سينقلبون عليه ، وتجارب الواقع المرير شاهدة على هذا ..
ولقد رأينا كثيراً من خصوم التيار الجهادي كلما جَدَّت أحداث ظنوها حاكمةً على الطريق التي اختارها التيار بالفشل ، كما ظن البعض ذلك أيام ثورات الربيع العربي وكتبوا في أنَّ خيار الجماعات الجهادية لم يعد له وجود وأن الشعوب أمسكت زمام المبادرة .. حتى إذا ما جاءت المؤامرات والثورات المضادة تراجع أولئك الكتاب عن قراراتهم ورأَوْا أنهم تسرَّعُوا .. ومثل هذا زعم السائل في خيار الديمقراطية ..
ونحن ولله الحمد لا نختار سبيلنا من خلال التجريب أو التقليد بل كما قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين)
فسبيل التوحيد والجهاد بيَّنَها لنا كتاب ربنا وسنَّها لنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ، فتركَنا على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك .. فلا حاجة لنا بعد هذا إلى التجريب أو التقليد ولله الحمد والمنة ..
( قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (25)الحديد
قال شيخنا ابن تيمية : (فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر ).
وعليه نقول : إن فشل تجربة أي جماعة جهادية يكون بسبب أخطائها هي وانحرافها عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الموازنة بين الكتاب والحديد ..
وإذا فشلت تجربة تنظيم الدولة أو انحسرت سيطرته عن كثير من المناطق ؛ فذلك لا يعني الحُكم على فشل خيار إقامة الدولة الإسلامية بالقوة والجهاد .. لكنها تحكم بالفشل على سياسة هذه الجماعة في إقامتها للدولة وعدم نجاحها هي في المحافظة على أسباب استمراريتها ..
فسياسة "جماعة الدولة" بعد التأمُّل تتلخَّص في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ (شرّ الرِّعَاءِ الحُطَمَة)
 لأنهم كانوا إقصائيين استئصاليين لكلّ من يخالفهم ، ولم يكن في سياساتهم تحييد بعض الخصوم أو مهادنتهم فضلاً عن التحالف معهم، فقد كانت جُرأتهم في تنزيل أحكام الردة على كثير ممن قاتلهم أو خالفهم تقف حاجزاً دون الأخذ بمثل هذه السياسات الشرعية الحكيمة التي لا تدوم الدول بدونها.

إضافة إلى هذا فقد توسَّعوا في استعداء العالم بالأعمال التفجيرية وغيرها التي بثُّوها في أنحاء المعمورة دون تمييز بين ما هو ممر لهم كتركيا أو خزان لأنصارهم أو نحوِه، فقد كانوا لا يترددون من القيام بأي عمل تطاله أيدي أنصارِهم في أيّ بلد يتحصَّل ذلك لهم دون نظر أو سياسة أو فقه.. بل عيّروا من يعمل بسياسة تحييد بعض الدول لكونها ممراً لهُم .. واتهموه بالمُداهنة والعَمَالة وطعنوا فيه لأجل هذه السياسة كالطالبان ونحوهم ..
وقد سيطرت على قيادة الجماعة ووجهت سياساتها وممارساتها، عقلية استعدائية لكل من لا يوافقهم ، وهي العقلية التي دفعت هذا التنظيم إلى التفاخر بتكثير الأعداء، وزيادة عددهم ولو بكسب أيديهم هم ، فهذه الزيادة في عدد الأعداء يعتبرونها من علامات صدق دولتهم ويستدلون بها على أنهم هم أهل الحق !
فهم لا يستوعبون السياسة الشرعية للنبيّ ﷺ و التي حيّدت بعض الكفار وهادنت البعض الآخر وأجَّلَت قتال بعضهم بل وتحالفت مع البعض ضد كفار آخرين أشدّ عداوة وضرراً أو أقرب وأخطر على دولة الإسلام
وجماعة الدولة لم تقبل أن تهادِن أو تحالِف أقرب الناس إليها كالجبهة ؛ فكيف يمكن لمثل هذه السياسة والعقلية أن تحافظ على دولةٍ أقامَتْها ؟ وكيف لها أن تعيش في عالم اليوم دون حكمة وسياسة شرعية وترتيب للأولويات ، وهي تزج بأتباعها دون رحمة ليس بمواجهة العالم كله دفعة واحدة بل وبمواجهة جميع الجماعات الجهادية المخالفة لها دفعة واحدة ، دولة لا تستوعب مثل هذه الجماعات كيف ستقدر على استيعاب رعاياها من غير المسلمين (كما هو المفروض في الدولة الإسلامية) وهي لا تقدر على استيعاب أقرب الناس إليها من الجماعات الجهادية؟ وكل من يتابع الأمور عن كثب يعلم كم حاول العقلاء والمشايخ أن يطرحوا مشاريع هدن أو تنسيق أو إصلاح بين هذه الجماعة وغيرها فكانت هذه المشاريع تتحطم على صخرة عدم اعتراف جماعة الدولة بإسلام غيرها ! فكيف لمثل هذه الدولة أن تعيش وتستمر وتحيا إن لم تبادر بالإصلاح والتغيير ..
وعليه ففشل تجربة جماعة الدولة ، يعود عليها وعلى تعنُّتها وسياساتها وقيادتها..
ولا يعني فشلها الحكم بفشل خيار القوة في إقامة دولة الإسلام .. كيف وطريق الجهاد هي الطريق النبوية الحكيمة التي أقامت الدين بتوجيه القرآن وقيادته ..
والعجيب من الإنهزاميين الذين تخلَّوا عن خيار القوة في زمانٍ يتمسك به العالم كله ..
ولذلك فإن إقامة الدولة الإسلامية ابتداء في مثل هذا الواقع الذي يحارب فكرة الدولة الإسلامية بالقوة بعد عقود من هيمنة الغرب ووكلائهم على البلاد والعباد، وغسيلهم لعقول أبناء المسلمين من خلال علماء السلاطين وإعلام الطواغيت ؛ لن يتأتى ذلك إلا بالتغلُّب والقوة المكسوّة بالحكمة والعقل والسياسة الشرعية.
فقوام هذا الدين كما تدل عليه أدلة الشرع وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون بالكتاب وحده، ولا بالحديد وحده، بل بالكتاب والحديد معاً وكفى بربك هادياً ونصيراً والحمدلله ربّ العالمين.


جمعهـا ونسَّــقـهـا العـبـد الفقيـر لعفـو ربـه
تلميذ | بل عابر سبيل | د. أبو سيَّاف المُهاجر

http://telegram.me/tlmith_pos
http://telegram.me/ahlalilm
http://tlmith.blogspot.com
http://telegram.me/mqdse1

Comments

  1. بناءا على ذلك
    فالملاعمر لم تكن لديه سياسة شرعية
    فقد كان يمتلك أفغانسيان و إستعدى العالم
    بعدم
    تسليمه لابن لادن و من معه من القاعدة
    و لو كان المقدسي شرعيا حينها لدى الطالبان
    لأفتى له بتسليم جنود القاعدة لأمريكا
    للحفاظ على حكم الطالبان لأفغانستان
    و لما وصل حالهم لما وصل إليه

    ReplyDelete
  2. هناك فرق في الخوض في المسلمات كتسليم المسلم للكافرين وبين التخبط واستعداء حتى أهل الإسلام من مخالفي دولة البغدادي وفي الحديث المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه

    ReplyDelete
    Replies
    1. المشكل يا بوالمسلمات أن بن لادن جندي الملا عمر استعدى العالم كله وهو لا يقدر على المواجهة !
      فتفجير في نيورك تسبب في القضاء على إمارة الملا عمر التي أمضى سنوات في بنائها ؟!
      أما الدولة فلم تستعدي أحدا يا شلة الدجل...
      ففي تاريخها كله لم تعمل خارج نتاق حدودها... حتى بدأ تحالف الكفرة بدكها بالقنابل...
      أما عن أقرب الناس إليها...
      فأقربهم إلها انضموا إليها...
      أما جماعاتكم الديوثة...فهي شلة كلاب تظاهر بعضها بعض على أهل الحق...
      وكي تتحالف الدولة مع جبهة الخنزير الجولاني وهو حليف لمرتدي الجيش الحر...
      وهو من كان فرعه في الرقة متحالف مع الملاحدة ضد الدولة...
      وفرعه المرتد في درعا كان ضمن خنازير دار العدل الطاغوتية... وحليف أساسي لكلاب الموك ؟!
      وفي الغوطة كان الخنزير أبوخديجة خريسات كلب الجولاني في حلف مع علوش... وهو من قام بالغدر بجنود الدولة وسلمهم للعلاليش..؛ واليوم يلطم كالمومس على إخوانه الذين أعدمهم مرتدو جيس علوش ؟!

      بالنسبة لكلام المقدسي...
      فكلام رجل أعمى متعصب لحزبه يريد أن يثبت صحة قوله ولو بالتحريف والتزييف...
      فرغم انحسار مساحة الدولة، إلا أنها لا تزال الأقوى، سواء في العراق أو الشام أو في أي منطقة من مناطق العالم..؛
      بخلاف تنظيم الهياط الظواهري...
      كل شغلهم رسائل ولطميات على البيعات وتقاذف اتهامات...
      ولانعدام عمالياتهم..؛ يقومون كل سنة بإخراج إصدار للحديث عن هجمات 11 سبتمبر !!!
      الناس صارت في حرب عالمية جديدة... وسفهاء القاعدة لا يزالون يحدثوننا عن أمجاد من سبقوهم...

      كفى الله المسلمين شركم وفتنتكم يا عبدة الظواهري.

      Delete
  3. للعلم أن الدولة و الجبهة قاتلوا النظام سوية و في خنادق و نقاط رباط مشتركة سابقاً في الساحل و أدلب ، و لكن عندما بدأ الاقتتال بين الدولة و الجيش الحر وقفت الجبهة موقف حياد و هي من طعنت بالدولة لأنها لم تساند الدولة بحجة البغي مع العلم أن الجبهة لاحقاً قامت باجتثاث كل من حاربته الدولة قبلها
    فهذا المقال فيه افتراء على الدولة أنها لم تقبل أن تهادن أو تحالف الجبهة ، ما حدث أن الجبهة و أحرار الشام هم من طعنوا بالدولة و تركوا الجيش الحر يحاصرها في أدلب و الساحل و الذي أدى لانحسار الدولة و نشوب العداء بينها و بين الجبهة و الأحرار

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

بين دايتون وغروزني اينفتح الشام / كتبها : على بصرة

غارة #سرمدا: هذه هي معركة إدلب المنتظرة/ على بصيرة

دروس لبنانية في الحرب السورية / على بصيرة