متى نصر الله - مسافر


‏" متى نصر الله " 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : ‏يصف تعالى حال الفئة المؤمنة حين اشتداد البلاء وتكالب الأعداء وانسداد الأفق وبلوغ القلوب بأبلغ وصف {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} ‏وهذه الكلمات وهذا الوصف الرباني لهذه الفئة المؤمنة لم تخرج من أناس عاديين ، بل من نبيّ معصوم ومن المؤمنين معه وقت بلوغ الخطوب أقصاها , ‏وهذا مدحٌ لهم عظيمٌ منه سبحانه إذ أن هذه الفئة وقت اشتداد البلاء والمحن ، لم تنظر لشيء سوى الله وطلب النصر منه سبحانه لا من غيره وسواه! , ‏ويقول سيد قطب - رحمه الله - مُعلقاً على هذه الأية العظيمة قائلا :« وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة , ‏إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه . من الرسول الموصول بالله ، والمؤمنين الذين آمنوا بالله , إن سؤالهم : متى نصر الله؟ لِيصور مدى المِحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة ولن تكون إلا مِحنة فوق الوصف ‏تُلقي ظِلالها على مثل هاتيك القلوب ، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب : " متى نصر الله " , ‏وعندما تَثبتُ القلوب على مثل هذه المِحنة المُزلزلة . . عندئذ تتم كلمة الله ، ويجيء النصر من الله :  " ألا إن نصر الله قريب " ‏إنه مُدَّخرٌ لمن يستحقونه ، ولن يستحقه إلا الذين يثبُتون حتى النهاية ، الذين يثبتون على البأساء والضراء ، الذين يصمدون للزلزلة , ‏الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة ، الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصرُ الله ، وعندما يشاء الله ، وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها ‏فهم يتطلعون فحسب إلى " نصر الله " , لا إلى أي حلٍ آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله , ولا نصرٍ إلا من عند الله , ‏بهذا يدخل المؤمنون الجنة ، مستحقين لها ، جديرين بها ، بعد الجهاد والامتحان ، والصبر والثبات ، والتجرد لله وحده ‏والشعور به وحده ، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .. » ا.هـ . ‏وقد قضى سبحانه بحكمته أن تكون المواجهة بين الحق والباطل قديمة أزليَّة وسنة كونية من لدن أدم عليه السلام إلى قيام الساعة , ‏وكتب سبحانه أن تكون طبيعة المعركة بينهما غير متكافئة عدة وعتاداً , وأن يكون التدافع حكمة وقدراً مقدوراً ليميز الله الخبيث من الطيب .. ‏ولكنه وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين إن هم أطاعوه وتوجهوا إليه سبحانه {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} { وإنَّ جُندنا لهم الغالبون } ‏فما هي أسباب النصر ؟ وما هي عوامل تحقيقه ؟ ‏إن من أهم أسباب النصر وضوح الأهداف ؛ فنصر الله لا يتحقق اذا رُفِعت شعارات جاهلية أو قومية ولن يتم النصر إذا عُطِّل شرعه وكانت الحاكمية لغيره , ‏ومن أسباب النصر الثبات على المبادئ فن أصحاب الأخدود قد انتصروا فحقيقة الأمر وثبتوا على ايمانهم مع تلك الخطوب الجسيمة والمحرقة العظيمة , ‏ومن أسباب النصر البعد عن أعداء الشريعة ولو كان أقرب قريب قال تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّون من حادَّ الله ورسوله " , ‏ومن عوامل تحقيق النصر أن يتجرد القادة والجنود من حظوظ أنفسهم ، من حبٍ للظهور أو مقاصد شخصية وأطماع دنيوية أخرى , ‏ومن عوامل تحقيق النصر نبذ الفُرقة وجمع الكلمة واتخاذ الجهاد في سبيل الله طريقاً ومنهجاً لا حَيدة عنه ولا رَجعةَ فيه , ‏وقد يتأخر نصر الله لأنه لم تتعلق القلوب به سبحانه وضعفت الصِّلة به والافتقار إليه وطلب العون والفتح منه وحده لا من سواه , ‏وقد يبطئ النصر لأن الأمة غير مؤهلة ومهيئة بعد لهذا النصر وحمل راية الاسلام وحماية جناب التوحيد والحفاظ على هذا النصر , ‏وسواء قُتِلنا جميعاً أو انتصرنا فإن الأمر لله من قبل ومن بعد فما علينا الا الصبر حتى النهاية ثم يأتي وعد الله لنا {الا ان نصر الله قريب} , ‏وحينها تُسحق جيوش الكفر والرذيلة وتجر أذيال الهزيمة وتتجرع كؤوس الذل والمهانة وتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . والحمد لله رب العالمين

كتبه : مسافر





جمع وتنسيق العبد الفقير لعفو ربه : 
تلميذ / بل عابر سبيل
Telegram.me/tlmith
Telegram.me/ahlalilm

Comments

Popular posts from this blog

بين دايتون وغروزني اينفتح الشام / كتبها : على بصرة

غارة #سرمدا: هذه هي معركة إدلب المنتظرة/ على بصيرة

دروس لبنانية في الحرب السورية / على بصيرة